فقال أبو سفيان ذلك، فوقف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وقفة، وقال الكلام واستعبر، ثمّ قال: «لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ» ۱، فأقبل الناس يهنّئونه بالمغفرة، فسار أبو سفيان مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله.
فلمّا كان يوم حنين لم يثبت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أحد غيره، هو والعبّاس، هذا عن يمينه وهذا عن يساره.
أقول: في هذا الإطلاق تسامح؛ فإنّ اللذين ثبتوا معه كانوا تسعة أنفس، ثمانية من بني هاشم ؛ منهم: أمير المؤمنين مقدام الكلّ يذبّ عن الكلّ، وأيمن بن اُمّ أيمن، وقتل في ذلك اليوم.
وكان العبّاس إذا نزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بلداً ركب بغلة رسول اللَّه [فلمّا نزل رسول اللَّه مرّ الظهران ۲ ، وقد غُمّت الأخبار ۳ عن قريش، فلا يأتيهم عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله خبر، خرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتجسّسون الأخبار، وقد قال العبّاس للبيد: يا سوء صباح قريش، واللَّه لئن بغتها ۴ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في بلادها فدخل مكّة عنوة إنّه لهلاك قريش إلى آخر الدهر.
فخرج العبّاس، وقد ركب بغلة رسول اللَّه وأقبل ليلقي إلى قريش خبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فقال: لعلّي ألقي حطاباً أو حشاشاً فألقي إليه خبره، ثمّ سمع كلام أبي سفيان، فقال: يا سوء صباح قريش.
قال أبو سفيان: من هذا؟
فقال: أنا العبّاس.
فقال: يا أبا الفضل، ما الخبر؟
فقال: هذا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قد أتاكم في الدُّهم، ومن لا قِبَلَ لكم به. ففزعوا، ودخلهم
الرعب، وقال أبو سفيان: فما الحيلة؟ ۵