وهربوا، ونزلوا عن خيلهم ورموا السلاح وصعدوا الجبال، وقتل جماعة منهم في الخندمة، وهرب عبد اللَّه بن أبي ربيعة والحرث بن هشام، فدخلا على اُمّ هاني بنت أبي طالب، وكانت تحت هبيرة بن وهب المخزومي، وكان الحرث وعبد اللَّه ابني عمّ هبيرة، فاستجارا بها، فلمّا رجع عليّ من الخندمة دخل على اُخته اُمّ هاني متقنّعاً بالحديد، فلمّا رأته لم تعرفه، فقالت: أيّها الرجل، أنا بنت عمّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فكشف عليّ عن وجهه، فلمّا رأته عانقته وسرّت به، فنظر عليّ إلى عبد اللَّه والحرث في بيتها، فسلّ سيفه عليهما، فحالت اُمّ هاني بينه وبينهما، وقالت: يا أخي تخفر جواري؟ إنّي قد أجرتهما، وألقت ثوبها عليهما، فخرج. ۱
وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قد نادى بمكّة: «من أغلق بابه وألقى سلاحه فهو آمن، إلّا أصحاب الخندمة» وقال: «لا تقتلوا أحداً لا يريدكم إلّا عكرمة بن أبي جهل، وعبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح، والحويرث بن قرّة ومقبض بن ضبابة وعبد الرحمن بن خطل» وقال: «من وجد هؤلاء ولو تحت أستار الكعبة فليقتلهم». واستثنى من النساء ثلاثة: سارة وقينتين لعبد اللَّه بن خطل، كانتا تغنيان بهجاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وكان حزام أخو مقبض أسلم ۲ هو وأخوه، فخرج أخوه في سرية، فقتله رجل خطأ لم يعرفه، فأعطى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله مقبضاً الدية ثمّ اغتال مقبض قاتل أخيه فقتله وارتدّ كافراً.
وأمّا ابن خطل، فأسلم وبعثه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في سريّة، فقال لغلام له من الأنصار: اذبح هذا الكبش واصنع لي طعاماً، فإذا انتبهت تكون قد فرغت منه، ففعل الغلام فضربه حتّى مات، وهرب وارتدّ.
وكان الحويرث بن قرّة شديد الأذى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله والتكذيب له. وذنب ابن أبي سرح قد تقدّم. ۳
وأمّا عكرمة، فهرب وركب البحر.
وأمّا مقبض بن ضبابة، فإنّه أقبل وقد تحنّط ولبس أكفانه، فنظر إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فقال لعليّ: «اضرب عنقه».
1.روى معناه العلّامة المجلسي في بحار الأنوار، ج ۲۱، ص ۱۳۰.
2.في «أ»: «وكان جرم مقبض أنّه أسلم».
3.تقدّم ذلك في تفسير الآية ۹۳ من سورة الأنعام (۶).