203
مختصر تفسير القمّي

وهربوا، ونزلوا عن خيلهم ورموا السلاح وصعدوا الجبال، وقتل جماعة منهم في الخندمة، وهرب عبد اللَّه بن أبي ربيعة والحرث بن هشام، فدخلا على اُمّ هاني بنت أبي طالب، وكانت تحت هبيرة بن وهب المخزومي، وكان الحرث وعبد اللَّه ابني عمّ هبيرة، فاستجارا بها، فلمّا رجع عليّ من الخندمة دخل على اُخته اُمّ هاني متقنّعاً بالحديد، فلمّا رأته لم تعرفه، فقالت: أيّها الرجل، أنا بنت عمّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فكشف عليّ عن وجهه، فلمّا رأته عانقته وسرّت به، فنظر عليّ إلى عبد اللَّه والحرث في بيتها، فسلّ سيفه عليهما، فحالت اُمّ هاني بينه وبينهما، وقالت: يا أخي تخفر جواري؟ إنّي قد أجرتهما، وألقت ثوبها عليهما، فخرج. ۱
وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قد نادى بمكّة: «من أغلق بابه وألقى سلاحه فهو آمن، إلّا أصحاب الخندمة» وقال: «لا تقتلوا أحداً لا يريدكم إلّا عكرمة بن أبي جهل، وعبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح، والحويرث بن قرّة ومقبض بن ضبابة وعبد الرحمن بن خطل» وقال: «من وجد هؤلاء ولو تحت أستار الكعبة فليقتلهم». واستثنى من النساء ثلاثة: سارة وقينتين لعبد اللَّه بن خطل، كانتا تغنيان بهجاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وكان حزام أخو مقبض أسلم ۲ هو وأخوه، فخرج أخوه في سرية، فقتله رجل خطأ لم يعرفه، فأعطى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله مقبضاً الدية ثمّ اغتال مقبض قاتل أخيه فقتله وارتدّ كافراً.
وأمّا ابن خطل، فأسلم وبعثه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في سريّة، فقال لغلام له من الأنصار: اذبح هذا الكبش واصنع لي طعاماً، فإذا انتبهت تكون قد فرغت منه، ففعل الغلام فضربه حتّى مات، وهرب وارتدّ.
وكان الحويرث بن قرّة شديد الأذى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله والتكذيب له. وذنب ابن أبي سرح قد تقدّم. ۳
وأمّا عكرمة، فهرب وركب البحر.
وأمّا مقبض بن ضبابة، فإنّه أقبل وقد تحنّط ولبس أكفانه، فنظر إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فقال لعليّ: «اضرب عنقه».

1.روى‏ معناه العلّامة المجلسي في بحار الأنوار، ج ۲۱، ص ۱۳۰.

2.في «أ»: «وكان جرم مقبض أنّه أسلم».

3.تقدّم ذلك في تفسير الآية ۹۳ من سورة الأنعام (۶).


مختصر تفسير القمّي
202

قال: لا أدري، فأقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وبين يديه أمير المؤمنين ومعه الراية العظمى وأصحابه المهاجرون والأنصار حوله، فجاؤوا بهول عظيم، فلمّا دنا رسول اللَّه قال أبو سفيان: بأبي أنت واُمي يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إن سعد بن عبادة، قال:

اليوم يوم الملحمةاليوم تستحلّ الحرمة
فقال: «ومن سمع هذا معك؟».
قال: عمّك العبّاس. وقال العبّاس: قد قالها يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله.
فالتفت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى قيس، وقال: «إلحق أباك وخذ الراية، واحبس الناس بذي طوى» فلحق أباه وأخذ منه الراية، وقال: تكلّمت بكلام قد سخطه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. ۱
وأقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فعبّأ أصحابه، وأمر خالد بن الوليد، وكان على بعض خيل كنانة وخزاعة، وقال: «اُدخل أنت من المسفلة» وقال لقيس: «اُدخل أنت من ذي طوى» ودخل رسول اللَّه من أذاخر، وهي عقبة المدنيّين، فوافى أبو سفيان مكّة فنادى في شعابها: يامعشر قريش، هذا محمّد، أبرّ الناس وأوصل الناس، من دخل داره فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن.
فقالت هند بنت أبي عتبة لمّا سمعته: لعنك اللَّه من قائد قوم، اُقتلوا هذا الشيخ الضالّ.
وكان عكرمة وصفوان وسهيل وحويطب ومكرز بن حفص بالخندمة، يحلفون: لا يدعون محمّداً يدخل ومنهم أحد باق، فأقبلوا يلعنون أبا سفيان، فدخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وعليّ بين يديه ومعه الراية العظمى، والزبير في المقدّمة، وكان أمير المؤمنين قد أَعْلَمَ ۲ بعصابة بيضاء شدّها على رأسه وألقى طرفيها على صدره، والزبير قد أعْلَمَ بعصابة حمراء.
[أقول:] ۳ وكان الذين يُعلِمُون في حروب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أربعة: عليّ وحمزة والزبير
وأبو دجانة سماك بن خرشة، وكان أبو دجانة يُعْلِم بريش نعامة يشدّه برأسه، وحمزة بعصابة سوداء.
فنزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بالابطح، ومرّ عليّ عليه السلام إلى الخندمة، فلمّا رأوه دخلهم الرعب

1.راجع قصّة فتح مكّة في الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي، ج ۱، ص ۱۶۲، ح ۲۵۲؛ وبحار الأنوار للعلّامة المجلسي، ج ۲۱، ص ۱۰۰ - ۱۰۴.

2.أعلَمَ الرجل نفسه: وسمها بسيماء الحرب.

3.الزيادة اقتضاها السياق.

  • نام منبع :
    مختصر تفسير القمّي
تعداد بازدید : 82069
صفحه از 611
پرینت  ارسال به