اسباب اختلاف الحديث صفحه 7

تصدير

من الطبيعي أنّ الحديث يشتمل على كنه ومضمون ورسالة ، وأن آخر مراحل التعاطي مع الحديث والاستفادة منه هي فهمه من أجل بلوغ كنهه ورسالته. والذي يتكفّل بيان قواعد واُصول فهم الحديث هو علم فقه الحديث الذي هو أحد علوم الحديث ، وهذا ما يتمّ في مرحلتين هما : فهم ظاهر الحديث ، وإدراك المراد من الحديث .
ومن البديهي أنّ إدراك المراد من أيّ حديث يتطلّب أن يؤخذ بنظر الاعتبار كلّ حديث له صلة بذلك الحديث ، سواء من حيث موافقته له في المضمون ، أو من حيث مخالفته له ، ولهذا لا ينبغي لعالم الحديث الاكتفاء بحديث واحد لبيان وجهة نظر الإسلام حول موضوع معيّن ، بل لابدّ أن يضع نصب عينيه جميع الأحاديث التي لها صلة بذلك الموضوع بشكل أو بآخر ؛ فالأحاديث التي تتناول هذا الموضوع ربّما يؤيد بعضها بعضاً ، وربّما يخصّص بعضها مفاد البعض الآخر أو يقيّده ، وربّما يحتوي على قرينة تميل به إلى إرادة معنى آخر لم يكن قد خطر على ذهنه من قبل.
ولا توجد في مثل هذه الحالات أيّ مشكلة عند العرف في فهم المراد من الحديث ؛ إذ يتيسّر فهمه بمجرّد التدقيق العرفي في مفاده . وإنّما تنشأ المشكلة في الحالات التي لا يُتاح فيها رفع الاختلاف بين الأحاديث بسهولة ، وعندها ينبغي استخدام قواعد معيّنة ليتسنّى للباحث تطبيقها على الحديث والتوصّل إلى المقصود الصحيح الذي يدلّ عليه الحديث .
وسعياً وراء تحقيق هذه الغاية أنشؤوا علماً عنوانه « مختلف الحديث » ، واُلّفت له كتب خاصّة به . نعم هناك جانب مهم من هذا العلم يتناوله علم اُصول الفقه تحت عنوان «التعادل

اسباب اختلاف الحديث صفحه 8

والتراجيح» ، لكن اختلاف الحديث عند الاُصوليين والذي يُسمّى ب «تعارض الحديث» غالباً ما يُعنى باختلاف الأحاديث الفقهيّة ، ويسعى إلى حلّ ما يكتنفها من تعارض ، بينما يُعنى المحدّثون باختلاف الحديث في كلّ فروعه وشعبه وشؤونه .
وانطلاقاً من الحاجة إلى التوصّل لقواعد وضوابط وأساليب كفيلة بحلّ الاختلاف والتعارض في الحديث ، فإنّ الخطوة الاُولى في هذا السبيل هي معرفة أسباب الاختلاف ؛ إذ يمكن التوصّل من خلالها إلى حلول مناسبة لحلّ ذلك الاختلاف . وبهذا يتّضح أنّ هذا البحث يشكّل القاعدة والأساس الذي يُشيّد عليه علم مختلف الحديث ، ويُعَدُّ أحد فروع علم فقه الحديث .
الكتاب الذي بين يديك أيها القارئ العزيز يمثّل محاولة لمعرفة أسباب اختلاف الحديث ، وقد تضمّن أربعة وثمانين سبباً ، تمّ تبويبها في خمسة أقسام رئيسيّة ، نعرضها على النحو التالي :
القسم الأول : عوارض التحديث .
القسم الثاني : مقتضيات محيط التشريع والتقنين.
القسم الثالث: مقتضيات أساليب البيان والتعبير.
القسم الرابع: دور الظروف ومقتضيات تحوّلها.
القسم الخامس: خصائص حقل التفسير.
ولا شكّ أنّ هذه الخطوة هي اُولى الخطوات الواسعة في هذا السبيل ولا يمكننا دعوى استقصاء جميع أسباب اختلاف الحديث وحصرها في الحالات المذكورة في هذا الكتاب ؛ إذ التّتبع والدّقة في الأحاديث قد يوصلنا إلى أسباب اُخرى للاختلاف .
وختاما لا يَسعنا إلاّ أن نعبّر عن جزيل شكرنا لجهود المحقّق الفاضل البارع سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمّد إحساني فر ، الذي أقبل على دراسة هذا الموضوع بلهفة وولع، وكذلك سماحة حجّة الإسلام الشيخ حيدر المسجدي الذي تكفّل بمهمّة تنقيح نصّ الكتاب ، ونسأل اللّه تعالى دوام التوفيق لهما.
محمّد كاظم رحمان ستايش
معاونية التحقيق في مركز بحوث دارالحديث
ربيع الثاني ۱۴۲۷